الوسم: يربان الحسين الخراشي

  • التقارب الإسلامي الصيني مفتاح إعادة إحياء طريق الحرير (ح 3)

    التقارب الإسلامي الصيني مفتاح إعادة إحياء طريق الحرير (ح 3)

    اتجهت أنظار العالم يومي 14 و15 أيار/ مايو الجاري إلى العاصمة الصينية بكين، لمتابعة افتتاح منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي بحضور حوالي 1200 مشارك من بينهم 29 رئيس دولة، وأكثر من 100 وزير، و 50 أمين عام ورئيس منظمة دولية، بالإضافة إلى حوالي4000 صحفي. لكن ما هي مبادرة الحزام والطريق؟

    مبادرة الحزام والطريق

    مبادرة الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، وطريق الحرير البحري للقرن ال21 المعروفة اختصارا با “مبادرة الحزام والطريق”، هي مبادرة أعلن عنها الرئيس الصيني الحالي السيد شي جين بينغ خلال كلمة له ألقاها في جامعة نزارباييف بكازاخستان في 7 من سبتمبر 2013 م.
    وتتلخص فكرة مبادرة القرن هذه بإحياء طريق الحرير القديم البري والبحري عبر ربط آسيا، وأوروبا، وإفريقيا: برياً عن طريق شبكات السكك الحديدية فائقة السرعة، والطرق السريعة، وبحريا عن طريق إنشاء الموانئ على طول سواحل الدول الواقعة على الممرات البحرية القديمة والحديثة، وجويا عن طريق إنشاء المطارات، وطاقويا عن طريق شبكات الطاقة الكهربائية، وخطوط أنابيب نقل البترول والغاز العابرة للقرات، ومعلوماتيا عن طريق ربط شبكات الاتصالات، وثقافيا عبر الفعاليات والنشاطات الثقافية، والبحثية لمئات الجامعات والباحثين، بالإضافة إلى إنشاء مناطق التجارة الحرة، وتطويرالتجارة الإلكترونية العابرة للحدود، واستحداث ستة ممرات اقتصادية، والتي نذكر منها ممر الصين – باكستان الاقتصادي الذي تصل تكلفة إنشائه إلى حوالي 45 مليار دولار، وهو ممر يربط الصين مباشرة بعينها على العرب “ميناء جوادر الباكستاني”.

    ومن أجل تحقيق أهداف مبادرة القرن هذه تم حتى الآن إنشاء سبع مؤسسات مالية للتمويل، والاستثمار على رأسها البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية برأس مال يصل إلى 100 مليار دولار، ويضم حتى الآن 57 دولة مساهمة، وصندوق طريق الحرير برأس مال 40 مليار دولار وغيرهما، ومن المتوقع أن يبلغ حجم الاستثمارات عند اكتمال مشاريع المبادرة حوالي 4 تريليون دولار.
    وينظم هذا التعاون العالمي الجديد إطار تشاوري، تشاركي، منفعي، يرتكز على خمسة أولويات : التنسيق السياسي، وربط البنى التحتية، وفتح القنوات التجارية، وتدفق التمويلات، والتواصل بين الشعوب؛ مما سيضمن ويعزز تعميق التبادلات الاقتصادية، والتجارية، والسياسية، والثقافية وحتى الأمنية بين أكثر من 65 دولة حول العالم التي تقع على طول خط الطريق الحرير بحجم سكاني يقدر بحوالي 4.4 مليار نسمة أي ما يعادل 63% من سكان العال، وحجم اقتصاد يمثل 29% من الاقتصاد العالمي، وقد أعلنت الحكومة الصينية مؤخرا عن أن أكثر من 100 دولة ومنظمة دولية انضمت فعليا للمبادرة.

    أهمية البلدان الإسلامية على الطريق

    لعبت حواضر العالم الإسلامي دورا محوريا في التجارة عبر طريق الحرير القديم البري والبحري نظرا لموقعها الجغرافي، وخاصة المنطقة العربية التي كانت جسرا حضاريا بين آسيا، وأوروبا ، و إفريقيا.
    و من بين 65 بلداً التي تقع على طول نطاق طريق الحرير نجد 25 بلدا مسلما، منضويا تحت سقف منظمة التعاون الإسلامي، بل وحتى إقليم شينجيانغ الصيني الذي هو بوابة طريق الحرير على العالم ذي أغلبية مسلمة، وهذا ما يجعل من طريق الحرير طريق إسلامي صرف.
    طريق يربط مدينة بخارى، وسمرقند بطهران، وبغداد، وأنقرة، ودمشق، والقاهرة، وعدن.
    طريق قد يعيد مركز التجارة العالمية إلى الشرق بعد ما اختطفه القراصنة الأوربيون لأكثر من ستة قرون، ويعيد بذلك للبلدان الإسلامية وظيفتها الحضارية كمنطقة يتم عبرها التبادل الثقافي، والحضاري، والاقتصادي، وحتى الأمني بين الشرق والغرب، بالإضافة إلى كونها إحدى الأسواق الكبيرة للبضائع الصينية، وتتجلى أهمية البلدان الإسلامية في كونها المنطقة المحورية الجامعة بين الشرق، والغرب، والمستهدفة في نفس الوقت وتتقاطع المبادرة الصينية مع العديد من الاستراتيجيات (رؤية السعودية 2030، خطة الكويت الجديدة 2035، قطر تستحق الأفضل) للدول الإسلامية خاصة دول الخليج التي تملك مؤسسات تمويلية مهمة، وهذا ربما ما حدا بالرئيس الصيني إلى حث الدول العربية على اغتنام فرصة ركوب قطار التنمية الصيني قبل فوات الأوان، وذلك خلال خطابه التاريخي الذي ألقاه في مقر جامعة الدول العربية في يناير 2016م، حيث قال:
    “ 我们要抓住未来5年的关键时期共建“一带一路”,确立和平、创新、引领、治理、交融的行动理念,做中东和平的建设者、中东发展的推动者、中东工业化的助推者、中东稳定的支持者、中东民心交融的合作伙伴。“
    “علينا أن نغتنم مرحلة الخمس سنوات القادمة الحاسمة لنبني معا “مبادرة الحزام والطريق ” ونحدد مفهوما للعمل على أساس إحلال السلام، والابتكار، والريادة، والحكامة، والاندماج، ونكون بناةً للسلام في الشرق الأوسط، ودافعين لتنميته، ومساهمين في تحوله الصناعي، وداعمين لاستقراره، وشركاء في إندماج شعوبه”
    الصين اليوم، بثقافتها، وحضارتها، وتاريخها تقدم نسختها للعولمة، نسخة تختلف عن النسخة الغربية، وتتلاقى في نقاط كثيرة مع المفهوم الإسلامي للعولمة؛ مما قد يمهد الطريق لتقارب إسلامي صيني، الذي نعتقد أنه مفتاح إعادة إحياء طريق الحرير، وطريق السلام.
    السلام الذي تتعطش إليه شعوب المنطقة، و يمنح الفرصة مرة ثانية لطريق الحرير في توحيد المسلمين من فرس، وترك، وعرب، وغيرهم تحت راية التنمية، كما وحدهم قديما تحت راية الجهاد.

    المغرب العربي الغائب الأكبر

    على الرغم من أن سواحل شمال إفريقيا لم تكن ضمن نطاق مجرى طريق الحرير البحري القديم، إلى أن أهميتها الجيواستراتيجية نظرا لقربها من أوربا، وقربها من المنطقة البكر الخزان البشري القادم أفريقيا جنوب الصحراء جعل منها حلقة مهمة جدا في أي أستراتيجية ذات بعد عالمي.
    كما أن النطاق الجغرافي لمبادرة الحزام والطريق يعتبر نطاقا مفتوحا، وهذا ما يفسر دعوة الرئيس الصيني شي جين بينغ لنظيره الأمريكي دونالد ترامب للانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق، حيث سعت الصين إلى ربط عاصمتها بكين بأمريكا، وكندا عن طريق سكة حديد تربطها بمنطقة ألاسكا مرورا بروسيا.كما أنه هناك العديد من دول العالم التي تعتبر خارج نطاق الجغرافي القديم للطريق أبدت استعدادها للانضمام إلى المبادرة.
    لكن حتى الآن تعتبر دول المغرب العربي الغائب الأكبر، رغم حاجتها الماسة إلى الاستثمارات الخارجية لدعم استراتيجياتها التنموية المحلية كمنطقة انواذيبو الحرة في موريتانيا، ومخطط المغرب الأخضر في المغرب.
    والأهم من هذا أن الانضمام لهذه المبادرة قد يكون نقطة تحول في موقف الصين تجاه قضية الصحراء؛ مما يخدم الحل السلمي لهذه القضية .
    فإنشاء مشاريع البنية التحتية التي تربط شمال إفريقيا بغربها لابد أن تمر حتما بالمناطق الواقعة تحت سيطرة جمهورية الصحراء الغربية، وقد يشكل إحياء طريق القوافل عبر الصحراء عن طريق تشجيع الاستثمارات الأجنبية في مجال البنية التحتية، والمرافق العامة على شكل مشاريع (BOT و PPP) تحويل المنطقة كلها بما فيها المناطق الصحراوية إلى منطقة صناعية، ومنطقة تخزين، وعبور، و إعادة تصدير المنتجات ليس فقط إلى دول منطقة الايكواس التي مؤخرا سعت كل من المغرب وموريتانيا إلى تعزيز علاقتهما الاقتصادية والتجارية معها، بل وحتى إلى القارتين الأوربية، والأمريكية؛ مما سيعود بالنفع على كل الأطراف المباشرين، وغير المباشرين المعنيين بالنزاع في المنطقة، النزاع الذي يعيق تحقيق حلم الشعوب المغاربية في الاتحاد.
    إن إحياء طريق القوافل عبر الصحراء قد يخلق ظروفا جيوسياسية جديدة في المنطقة قد تكون المفتاح لحلحلة مشكلة الصحراء، فقد يصلح الاقتصاد ما افسد التاريخ، وعجزت السياسية، والحرب عن إصلاحه.

    لقد علـمنا التاريخ قديمه، وحديثه بأن صراع الدول العظمى يخلق فرصا استراتيجية لا تتكرر، فعلى سبيل المثال لا للحصر، كانت حرب الكوريتين، والحرب الباردة السبب المباشر في نقل الصناعات الثقيلة من الاتحاد سوفيتي إلى الصين، ونقل صناعات التكنولوجيا المتطورة من أمريكا إلى كوريا الجنوبية وحتى إعادة إعمار اليابان وألمانيا. فهل سنغتنم هذه الفرصة أم أنه لا حياة لمن تنادي.
    د. يربان الحسين الخراشي

    Dr. Yarbane El Houssein El Karachi

    Jilin University – China

    Department of Exploration and Drilling Engineering

    E-mail: yarbalanacn@yahoo.com

    yarbanacn@163.com

  • التقارب الإسلامي الصيني مفتاح إعادة إحياء طريق الحرير (ح 2)

    التقارب الإسلامي الصيني مفتاح إعادة إحياء طريق الحرير (ح 2)

    موقع مبادرة الحزام الطريق بعيون عربية ـ
    د. يربان الحسين الخراشي(موريتانيا)*:

    بعد معركة نهر طلاس (نهر يقع في قرغيزستان  حاليا) التي غيرت مجرى تاريخ العالم سنة 751 م، وكان النصر فيها حليف الخلافة العباسية، والتي ذكرنا في مقالنا السابق أنها  كانت السبب المباشر في بداية القلاقل التي أدت إلى أفول نجم أمبراطورية تانغ؛ مما أدى إلى انحسار كبير لدور طريق الحرير البري في التجارة العالمية آنذاك.
    هذا الانحسار استمر حتى سيطرة المغول على نصف الكرة الأرضية تقريبا خلال القرن الثالث عشر، حيث عادت الحياة إلى طريق الحرير من جديد لكنها كانت قد بدأت تفقد مكانتها لصالح طريق الحرير البحري الذي كان قد بدأ يزدهر.

    وطريق الحرير البحري هو طريق بحري يربط السواحل الجنوبية الشرقية للصين بشرق أفريقيا، وأوروبا مرورا ببحر الصين الجنوبي، والمحيط الهندي، والبحر الأحمر.
    وقد بلغت التجارة عبر هذا الطريق البحري أوج ازدهارها خلال فترة مملكة مينغ الصينية (1368 -1644) خاصة خلال الفترة ما بين (1405- 1433) المصاحبة للرحلات السبعة للبحار المسلم الصيني تشنغ خه (Zheng He) التي قادته إلى جل الدول الإسلامية  اندونيسيا، إيران، العراق، اليمن، السعودية، مصر، الصومال، وهذا ما مكن الصين  في تلك الحقبة من السيطرة على حوالي ثلثي التجارة العالمية عبر البحار.

    ومع مطلع القرن الرابع عشر وبعد تأسيس الخلافة العثمانية، وقيام الامبراطوريات الأوربية الاحتلالية التوسعية  ابتداء بالبرتغاليين الذين أستخدموا الطرق الحديثة في الملاحة، والخرائط، وانتهاء بالبريطانيين عاش العالم ستة قرون تحت سيطرة بحرية للأوربيين تم خلالها  تراجع التجارة عبر الطرق القارية  تدريجيا لصالح التجارة عبر البحار،وتم تحويل  مركز التجارة العالمية من الشرق إلى الغرب؛  مما أدى إلا أفول حضارات وبزوغ أخرى.  وخلال القرن التاسع عشر وبالتحديد سنة 1877  تسمت “طريق الحرير” باسمها هذا على يد العالم الجغرافي الألماني فرديناند فون ريشتهوفن  ( Ferdinand von Richthofen) الذي كانت بلاده تسعى إلى إنشاء سكة حديد تربط إقليم شاندونغ  (Shandong) الصيني بها مروا بدول آسيا الوسطى، وذلك بعد ما ضيقت بريطانيا العظمى الخناق عليها في ظل التنافس الحاد بينهما على الموارد والأسواق العالمية.

    ومع مطلع القرن العشرين بدأ نجم الولايات المتحدة الأمريكية في البزوغ خاصة بعد خروجها من الحرب العالمية الثانية باقتصاد الوحيد السليم عالميا.
    وقد استخدمت حاملات الطائرات وأكثر من 1000 قاعدة عسكرية حول العالم  مدعومة بنظام  مالي عالمي يجعل كل البلدان  بل كل فرد على كوكب الأرض يستخدم الدولار يعتبر مشاركا بصفة مباشرة أو غير مباشرة في تحمل الإنفاق على هذه القواعد؛ مما مكنها من  بسط سيطرتها ونفوذها على ممرات التجارة البحرية التي عبرها يتم نقل حوالي 90% من إجمالي حجم التجارة العالمية.

    اليوم وبعد مرور أكثر من 2000 سنة على أول استراتيجية عسكرية صينية  بالانفتاح على الغرب عبر طريق الحرير لإنقاذ مملكة هان الغربية (206 ق م- 25 م) من هجمات قبائل الهون، ها هي مملكة هان القرن 21 تتشبث بطريق الحرير مرة أخرى وكأن التاريخ يعيد نفسه، حيث تعلق الصين أمالا كبيرة على هذه المبادرة التي تسعى من ورائها إلى تحقيق أهداف إستراتيجية كثيرة نذكر منها:

    (1):- إنقاذ الصين من الكماشة الأمريكية التي بدأت تضيق الخناق عليها خاصة بعد تقوية أمريكا لعلاقاتها مع دول منطقة المواجهة الجيوسياسية معها  كأستراليا، اليابان، الفيتنام، ماليزيا، بروناي، بنغلاديش، كوريا الجنوبية وإندونيسيا وغيرهم؛ مما مكن أمريكا من إحكام سيطرتها على الممرات البحرية  المؤدية إلى الصين، خاصة مضيق ملقا الذي يفصل بين ماليزيا وإندونيسيا، والذي تمر منه  حوالي %75 من واردات الصين النفطية، و حوالي 23% من وارداتها الغازية.

    (2):-  إخراج الاقتصاد الصيني من تباطئه، حيث أنه اليوم وبعد حوالي 40 سنة من تنفيذ سياسية الانفتاح أصبحت عرباته الثلاثة الرئيسة ( التصدير،الاستثمار الداخلي ،الاستهلاك الداخلي) تقترب من محطتها النهائية  مخلفة ورائها حجما هائلا للاحتياطي لديها من العملات الأجنبية على رأسها الدولار، وفائض في الإنتاج أدى إلى تخمة في المعروض طالت جميع أنواع الصناعة الصينية، من الصلب والحديد، الأسمنت، المعدات، إلى الأجهزة المنزلية؛ وهذا ما جعل الصين تعلق أمالا كبيرة على هذه المبادرة في التخلص من الفائض في الإنتاج لديها من المواد، و التخلص أيضا من الفائض الاحتياطي الضخم من العملة الصعبة عن طريق استثمارات خارجية في الدول نطاق الطريق،  وذلك عن طريق خلق أسواق جديد، والرفع من القوة الشرائية لساكنة هذه الدول  بدل خسارته في حروب العملات مع أمريكا .نذكر أن الصين باعت خلال 4 سنوات الأخيرة فقط حوالي واحد تريليون دولار من احتياطياتها من العملة الأجنبية للحفاظ على استقرار صرف عملتها.

    (3): – الهدف الثالث  الرئيسي الغير معلن لهذه المبادرة، والأهم حسب اعتقادي هو تحويل شرعية النظام السياسي الشيوعي الحاكم من الاعتماد على الأيديولوجيا التي فقدت بريقها إلى الاعتماد على النمو الاقتصادي السريع.
    فليس هناك شرعية لنظام الحكم الصيني أعظم من تحقيق حلم أكثر من 50 % من سكان الصين البالغ عددهم 1.37 مليار نسمة  في التمدن، والحياة الكريمة، وتمكين الأمة الصينية من استعادة مكانتها الريادية بين الأمم.

    لكن ماهي هذه المبادرة السحرية  التي قد تحقق شرعية جديدة للحزب الشيوعي الصيني الحاكم؟ وتمكن الصين من الإفلات من الكماشة الأمريكية؟  وتحل مشاكل إعادة هيكلة اقتصادها ؟  وتتيح فرصة للبلدان الإسلامية لركوب قطار التنمية الصيني فائق السرعة؟

    يتواصل إن شاء الله

    *

    Dr. Yarbane El Houssein El Karachi

    Jilin University – China

    Department of Exploration and Drilling Engineering

    E-mail:  yarbalanacn@yahoo.com

    yarbanacn@163.com

  • التقارب الإسلامي الصيني مفتاح إعادة إحياء طريق الحرير (ح1)

    التقارب الإسلامي الصيني مفتاح إعادة إحياء طريق الحرير (ح1)

    موقع مبادرة الحزام الطريق بعيون عربية ـ
    د. يربان الحسين الخراشي(موريتانيا)*:

    يرجع بعض المؤرخين تاريخ طريق الحرير إلى حوالي 2000 سنة قبل الميلاد، وهي عبارة عن مجموعة من الطرق غير المترابطة غالباً، كانت تسلكها القوافل بهدف التجارة.
    وتذكر المصادر التاريخية الصينية أن اكتشافها تم سنة 138 قبل الميلاد على يد تشانغ تشيان (Zhang Qian) مبعوث الإمبراطور السابع لمملكة هان الغربية (206 ق م- 25 م) إلى Da rouzhi (قبائل من شعب الهنود الأوربيين البدائيين) وهي إحدى المماليك الستة والثلاثون التي كانت تستوطن المناطق التي تقع غرب مملكة الهان آنذاك أي شينجيانغ وآسيا الوسطى حالياً، وذلك من أجل ربط حلف عسكري معها ضد أعدائهم التقليديين شعب الهون، الذين كانت حربهم مع مملكة هان في أوجها، لكن استراتيجية الإمبراطور ليو تشي (Liu Che) العسكرية الرامية إلى تطويق قبائل شعب الهون باءت بالفشل، وقضى على أحلامه في بسط نفوذه على سهول آسيا الوسطى وإبعاد خطر قبائل الهون المحاربة بعد أن قضى 40 سنة من حكمه الممتد ل 54 سنة في حرب كر وفر معهم .

    وخلال القرن الأول الميلادي سنة 97 م بعث الملك الرابع لمملكة هان الشرقية (25 م – 220 م) رسوله غان يينغ (Gan ying) إلى روما، وقد ذكرت المصادر التاريخية الصينية وصوله للخليج العربي والعراق، وربما يكون أول صيني تطأ أقدامه بلاد العرب. هذه الرحلة على الرغم من عدم وصولها إلى روما لكنها عززت فتح الطريق الذي يربط بين تشانغآن العاصمة آنذاك (مدينة شيآن الحالية بمقاطعة شنشي) وبين الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط والذي عرف باسم “طريق الحرير”. وفي عام 166 م وصل مبعوث الإمبراطورية الرومانية إلى مدينة لويانغ (عاصمة مملكة هان الشرقية)، فيما يعد أول تبادل دبلوماسي بين الغرب والصين.
    كما ذكرت بعض المصادر التاريخية الصينية وصول رسول ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة 651 م إلى مملكة تانغ الصينية (618 م -907 م) أثناء حكم إمبراطورها الثالث لي تشي (Li zhi)،وقد سمح الملك الصيني للمسلمين من عرب وفرس بممارسة التجارة والإقامة في الصين، بل حتى التقاضي وفق مبادئ الشريعة الإسلامية، وذلك بعد ما لمس التشابه الكبير بين قيم الدين الإسلامي الحنيف، وقيم الثقافة الصينية التقليدية، خاصة كونفوشيوسية ، والتي كانت العمود الفقري للثقافة الصينية آنذاك، وهذا ما سمح بتعزيز التجارة عبر طريق الحرير، خاصة تجارة الحرير الذي كان يستخدم كعملة بدل العملة النحاسية الملكية في المناطق الحدودية.
    خلال منتصف القرن الثامن ميلادي، وفي ظل القلاقل التي صاحبت نهاية حكم الأمويين (662-750)
    استغل الصينيون الفرصة وتوغلوا غربا وتمكنوا من إخضاع بعض المناطق المهمة الخاضعة لنفوذ الخلافة، ويعكس حجم الإنفاق العسكري الصيني آنذاك حجم تلك التوترات الحدودية، حيث تذكر بعض المصادر الصينية أن إنفاق مملكة تانغ الصينية على قواتها المرابطة على ثغور آسيا الوسطى قفز من 2 مليون قوان سنة 713م (guànقوان سلسلة لربط النقود على شكل تسبيح وتحوي ألف قطعة نقدية ) إلى 10 مليون قوان سنة 741 م، و 15 مليون قوان سنة 755 م، ويشكل هذا المبلغ نصف إجمالي إيرادات مملكة تانغ آنذاك البالغ حوالي 30مليون قوان.
    لكن ذلك لم يمنع الخلافة من خوض المعركة التي غيرت وجه التاريخ، وذلك بعد استتباب السلطة للعباسيين، حيث زحف الجيش العباسي بقيادة زياد بن صالح رحمه الله سنة 751 م، بينما تولى قيادة الجيش الصيني القائد الكوري القومية قاو شيان تشى (Gao xianzhi) ، وانتهت المعركة بهزيمة ساحقة للجيش الصيني حوالي 30 ألف بين قتيل وأسير حسب بعض المصادر الصينية.
    وقد كانت هذه الحرب نقطة تحول مهمة جداً في تاريخ آسيا الوسطى، وربما التاريخ العالمي، حيث أنها المعركة الوحيدة بين أقوى دولتين آنذاك، والمعركة الوحيدة أيضا بين العرب والصينيين ومن نتائجها :
    (1) – قتل الحلم الصيني في السيطرة على آسيا الوسطى ونهاية نفوذها وتواجدها العسكري هناك؛
    (2) – تقويض تجارة الحرير وانحسار ازدهار التجارة عبر طريق الحرير ؛
    (3) – خروج تأثير الثقافة الصينية من آسيا الوسطى إلى يومنا هذا؛
    (4) – زيادة أواصر ارتباط العرب والشعوب التركية و انصهارها وتمهيد الطريق لدخول كافة شعوب آسيا الوسطى في الإسلام؛
    (5) – كانت السبب المباشر للقلاقل التي بدأت تنتشر في أرجاء الامبراطورية الصينية خاصة الحرب الداخلية على السلطة التي بدأت 755 م والمعروفة في التاريخ الصيني با (an shizhiluan) التي يعتبرها المؤرخون بداية انهيار امبراطورية تانغ العظيمة.
    لكن أهم نتيجة لهذه الحرب في اعتقادي هم الأسرى الصينيين الذين عن طريقهم تم نقل الاختراعات الصينية الأربعة القديمة ( صناعة الورق وفن الطباعة والبوصلة والبارود)، إلى العالم العربي وخاصة صناعة الورق حيث تم تأسيس أول مصنع للورق في بغداد سنة 794 م، ومن عاصمة الرشيد تم نقل أسرار صناعة الورق إلى كل من دمشق، والقاهرة ثم، الأندلس ومنها إلى أوربا، وهذا ما يرشح صناعة الورق أن تكون المساهمة الصينية في بزوغ العصر الذهبي للحضارة الإسلامية.

     

    *

    Dr. Yarbane El Houssein El Karachi

    Jilin University – China

    Department of Exploration and Drilling Engineering

    E-mail:  yarbalanacn@yahoo.com

    yarbanacn@163.com